عن البشر المعاصرين و الأعراق
منذ بدء
الخليقة و حتى بضع قرون خلت كان الإعتقاد الشائع هو أن الأرض قارة ثابته و الشمس
متحركة من فوقها من شرقها لغربها، كان القول بعكس هذه الحقيقة المشاهدة الواضحة
ضربا من الجنون حتى قلب العلم الحديث هذه الصورة رأسا على عقب لدرجة عدنا فيها
نتسائل من بعد: كيف كان الناس يتصورون الأمر
على عكس هذه البديهة ؟
الآن
هناك بوعينا المعاصر هناك صورة مقلوبة كالتي سلفت، لا تزال تبدو لنا كحقيقة بديهية
مشاهدة مع أن العلم الحديث قد صححها منذ بضع عقود بشكل ثابت و واضح، ألا و هي أنه
لا وجود للأعراق البشرية Human Races على الإطلاق و أننا متشابهون
لدرجة لا تمييز فيها بيننا كبشر رغم كل إختلافاتنا الظاهرية المدهشة كإدهاش ثبات
الشمس رغم حركتها المشاهدة بكبد السماء.
الجنس
البشري يصنف علميا كـ Homo Sapiens لتمييزه من الأجناس الحية
الأخرى كالشمبانزي مثلا Pan troglodytes ، و هذا
الأخير له عدة أعراق Races تبلغ الخمسة و تعيش كل منها في منطقة جغرافية مختلفة (علميا يطلق
على الأعراق المختلفة تحت-الجنس Subspecies)، لكن ظاهريا لربما لن
يستطيع غير المختصين تمييز هذه الأعراق عن بعضها لأن التعريف العلمي لها يعتمد على
إختلافات شفرتها الوراثية DNA و ليس على مجرد مظهرها الخارجي (المتشابه بشده)، هذا يعني أن
تعريف العرق هنا يعتمد على أن يتشابه أفراد العرق الواحد جينيا بما فيه الكفاية
ليتميزوا عن أفراد الأعراق الأخرى بحيث
يكون هناك إنعزال جيني بينهم يتيح تصنيف كل فرد مع مجموعة واحدة فقط بدراسة جيناته و مدى تشابهها و إختلافها مع
المجموعات العرقية الأخرى.
إن طبقنا
هذا التعريف العلمي البيولوجي على بني الإنسان فلسوف نفاجأ بحقيقة بائنة الوضوح :
كل البشر المعاصرين ينتمون لنفس العرق Subspecies ذاته و هو Homo Sapiens Sapiens على عكس كل الأجناس
الحية الأخرى التي تتنوع أعراقها كثيرا !
لنقدر
هذه الحقيقة حق قدرها علينا بضرب مثال بسيط، إذا إخترنا فردين عشوائيا من السكان
الأصليين لقارة أوروبا مثلا (دون المهاجرين) و درسنا إختلافهم الوراثي عن بعضهما
البعض بحيث قدرنا نسبة الإختلاف الجيني بينهما، ثم إخترنا عشوائيا أي فرد من
السكان الأصليين لقارة أفريقيا و قمنا بعقد مقارنة بين إختلافه الوراثي معهما
فسنخلص في الغالب لنتيجة تقول بأن الإختلاف الوراثي بين الأوروبيين أضخم من
الإختلاف الوراثي بين أي منهما و الأفريقي ! بحيث يمكن مثلا أن تكون كلية الأوروبي
أكثر مناسبة للزرع في الأفريقي منها في الأوروبي الآخر لكونها أكثر شبها بها ! و
هذا بحق ما نعنيه بقولنا أننا جنس واحد فقط بلا أعراق و أننا لا ننقسم لمجموعات
بشرية منفصلة جينيا كما هو الحال مع الشمبانزي على سبيل المثال، و أغلب الدراسات
العلمية تقول بأن الإختلاف الجيني داخل المجموعات الجغرافية البشرية يقارب الـ 85% ، بينما يقارب الإختلاف
الجيني بين المجموعات الجغرافية البشرية المختلفة 15% تقريبا.
المظاهر الخداعة للتصنيف العرقي
و لكن
كيف يمكن تفسير هذه النتيجة الجينية الصاعقة مع واقع الإختلاف المشاهد في أشكال
البشر و إنقسامهم الظاهري لـ مجموعات عرقية بائنة الوضوح كالأفارقة و القوقازيين و
المنغول و غيرهم ؟ الجواب بسيط جدا في
الحقيقة، فهذه الإختلافات الشكلية أولا لا تتحكم بها سوى كمية ضئيلة جدا من
الجينات (لون الجلد و الشعر مثلا تتحكم به منطقة جينية واحدة فقط One
Locus) ، و ثانيا
فإن الإختلاف هنا تكيفي Adaptive بحيث تتغير فقط المناطق
المسئولة عن التحكم بنشاط الجينات و ليس الجينات نفسها، فمثلا كل البشر يملكون نفس
العدد من الخلايا اللونية Melanocytes و يتمثل الإختلاف اللوني فقط في درجات نشاطها
المختلفة بينهم لا أكثر، و أخيرا فإن الزمن اللازم لظهور هذه التكيفات قصير نسبيا
بالمقارنة مع التغيير الجيني.
و هكذا
فبرغم أن المظهر الشكلي اللوني مثلا يقسم البشر ظاهريا لمجموعات مختلفة إلا أن هذا
لا يعكس إنفصالا جينيا بحيث تكون بقية الصفات
تابعة للتوزيع اللوني، فمثلا إذا قسمنا البشر على أساس الطول مثلا ( و هو صفة متحكم بها جنينيا أيضا) فسنجد أن
المجموعات المتجانسة طوليا ستغدو شديدة الإختلاف عن المجموعات المصاغة على أساس
اللون ! و إذا قسمناهم على أساس الذكاء فستتغير المجموعات مرة أخرى و هلم جرا، هذه
الإستحالة في الحصول على نفس التقسيم بالذات بإستخدام صفات و جينات مشتركة هو ما
يثبت أن البشر ليسوا منفصلين لأعراق مختلفة بل إن إنقسامهم الظاهري هو مجرد نتيجة
عرضية لمجموع صفات شديدة التغير و ذات
أساس جيني ضئيل جدا.
فعلى
سبيل المثال اللون الأسود يلعب وظيفة حمائية جيدة من الأشعة فوق البنفسجية الضارة
قرب خط الإستواء بينما تحول اللون إلى الأبيض مع هجرة البشر لخطوط العرض العليا
حيث تقل تلك الأشعة كثيرا مما يقلل من تصنيع فيتامين د الهام جدا للعظام فيصبح هناك ضغط تطوري شديد لنقص التصبغ بالجلد
فيتحول عبر آلاف الأجيال للأبيض. و الشعر المجعد يحبس الهواء مشكلا طبقة عازلة
تحمي الرأس من حرارة الشمس العمودية بخط الإستواء بينما الشعر المسترسل مفيد في
المناطق الباردة ليغطي الرأس و الرقبة من البرد و يمنع الرياح الباردة من إفقادهما
للحرارة، أما الأنف المفلطح فمناسب ليمر الهواء و يبرد في الجو الحار الرطب بينما
الأنف الضيق الطويل مفيد لتدفئة الهواء البارد كي يحمي الرئة من الأمراض و هلم
جرا.
يمكن فهم
هذه النتيجة بشكل أفضل تطوريا بإستعراض تطور الفهم لإصول الإنسان، ففي مرحلة ما
كانت هناك نظرية تسمى بالإصول المتعددة و تدعي بأن أشباه البشر القدماء Hominina
كانوا هم الأسلاف المباشرين للبشر المعاصرين
بحيث نتج عرق بشري مختلف بكل قارة مختلفة من أسلاف شبه بشريين مختلفين، و لكن هذه
النظرية سرعان ما سقطت لصالح نظرية الأصل الأفريقي التي أثبتت أن كل البشر
الحاليين هم أحفاد لمجموعة بشرية قديمة ظهرت بأفريقيا أول مرة قبيل مئتي ألف سنة
تقريبا، ثم توسعت هذه المجموعة بالهجرة من القارة الأم بأفريقيا قبل ستين ألف سنة
تقريبا لتمر عبر الجزيرة العربية فأوروبا و آسيا أولا ثم أمريكا و إستراليا لاحقا،
كما عادت بعض السلالات إلى أفريقيا من جديد بحيث يكون الغالبية العظمى من البشر
الحاليين بكل القارات أحفادا للمجموعة البشرية الضئيلة العدد التي خرجت مستكشفة
للعالم الواسع، و تكون الصفات الشكلية الحالية الشديدة الإختلاف مجرد تعبير قريب
عن تكيفات تطورية رافقت هذه الهجرات الواسعة، بهذا يكون مفهوما تماما لم لا ينماز
البشر لعرقيات محددة، فتاريخهم قصير جدا على سطح الأرض بحيث كان الإختلاط الدائم
بينهم عبر الهجرة كافيا للحفاظ على هويتهم الجينية الموحدة تماما رغم كل الوهم
المضاد لهذه الحقيقة البسيطة !
قصة الهجرات
البشرية
برغم أن
كل إنسان هو تركيب جيني فريد و أن البشر _لقصر ظهورهم على مسرح التاريخ و إستمرارية
إختلاطهم ببعضهم_ يشكلون تركيبة جينية واحدة إلا أن هناك طريقة لتتبع مسارات
الهجرات البشرية من مهدالبشرية بأفريقيا عبر التاريخ، الفضل في هذا يرجع
للكروموسوم الذكوري Y الذي ينتقل كوحدة واحدة من غير أي إختلاط جيني من الأب لأبنائه
فأبنائهم و هلم جرا، على عكس كل الكروموسومات الأخرى التي تختلط مادتها الوراثية
ببعضها البعض من جيل لآخر ، هذه الوراثة الفريدة تمتاز بها أيضا الشفرة الوراثية
لمصانع الطاقة الخلوية (المايتوكوندريا) حيث تنتقل هذه العضيات organelles
(التي كانت بالماضي السحيق خلايا مستقلة تملك
شفرتها الخاصة) عبر البويضة فقط من الأم لبناتها فبناتهم و هلم جرا.
هذا
الإنتقال للكروموسوم الذكوري يرسم سلسلة غير منقطعه مميزة ترجع بكل منا عبر سلسلة
(أب عن أب عن أب ... إلخ) حتى نصل للجد الأبعد لكل البشر الأحياء حاليا ! كما أن
سلسلة (أم عن أم عن أم ... إلخ) ترجع بنا أيضا للجدة الأبعد لكل البشر الأحياء
حاليا. لكن إنتبهوا، هذا لا يعني أنه كان الرجل الوحيد حينها و لا أنها هي كانت
المرأة الوحيدة حينها بل قد تفصل بينهما فعليا عشرات الآلاف من السنين، فنحن هنا
لا نتكلم عن أقرب زوج (أب و أم) تنحدر منهم كل البشرية الحالية Most recent common ancestor (يقدر وجود هذا الزوج في
حدود الخمسة آلاف سنة الأخيرة) بل عن أقرب سلف أبوي
Patrilineal و إمومي Matrilineal للبشر المعاصرين فقط
(في حدود مئتي ألف سنة تقريبا) – إنظر الشكل 1.
(شكل 2 – علاقات النسب و أزمان التفرعات في السلاسل الأبوية عبر
التاريخ)
تبدأ
القصة للسلالات الأبوية من شمال غرب أفريقيا حيث أقدم الآثار الجينية للبشرية عندما
تفرعت سلالتين من أقدم السلالات البشرية تباعا، هما A فـ B (M60)ثم تفرعت بعد ذلك من السلالة B السلالة CT (M168 & M294) حوالي 65 ألف سنة خلت في شرق و وسط أفريقيا و هي
التي بدأ معها الخروج العظيم من أفريقيا و إحتلال العالم عبر الشرق الأوسط و قد
تفرعت من بعد للعديد العديد من السلالات أهمها:
-
السلالة F (M89 & M213) التي تشكل بتفرعاتها حوالي 90% من سكان العالم حاليا خارج أفريقيا
( تتفرع منها السلالة J التي ظهرت حوالي 25 ألف سنة خلت و تضم غالب خطوط نسب العرب و
اليهود و الأثيوبيين).
- السلالة
E (M40 & M96) الأفريقية التي ظهرت حوالي 54 ألف سنة خلت و التي تضم تفرعاتها
البعيدة غالب خطوط نسب الفراعنة و النوبة و البربر و غيرهم. (انظر الشكل 3 و 4)
الشكل 3 - مسارات الهجرات البشرية مع تواريخ إنفصال المعلمات الوراثية genetic markersالشكل 4: شجرة نسب السلالات الذكورية و مواطنها و رموزها
أما قصة
السلالات الأمومية فتبدأ من قارة أفريقيا جهة الوسط و الجنوب حيث إنتشرت من هناك
خمسة سلالات أمومية L1/L2/L4/L5/L6 بينما غادرت سلالة واحدة فقط
هي L3 القارة الأم حوالي 65 ألف سنة خلت على شكل
سلالتين فرعيتين هما M & N ليكونا أمهات كل البشر خارج
أفريقيا تقريبا. مسارات هجرة السلالات الأمومية و تواريخها تتفق و تختلف مع مسارات
هجرة السلالات الأبوية و لا تتطابق ! و لهذا معناه العميق، كما سنرى لاحقا. (انظر الشكل 5)
الشكل 5 - خط سير الهجرات الإمومية مع التواريخ
من المهم
في هذا السياق الوعي بتعداد الجنس البشري أثناء هذه الهجرات و التفرعات، فعلى
الرغم من تعدادنا المهول حاليا في حدود سبعة مليارات نسمة إلا أن جنسنا البشري قد
مر بفترة عصيبة حوالي 70 ألف سنة خلت بمرورنا بعنق زجاجة Bottleneck حيث بلغ تعداد كل البشر
حينئذ ما بين ألف إلى عشرة آلاف نسمة فقط ( ما يناظر تعداد قرية صغيرة ! ) و كانوا
يقطنون جميعا في أفريقيا ، ثم تضاعف العدد ألف مرة خلال ما يقارب الـ 150 ألف سنة
ليبلغ قبل 10 آلاف سنة ما بين مليونا إلى عشرة ملايين نسمة و ذلك حينما إكتمل وصول
البشر لكافة أرجاء المعمورة، ثم حوالي ميلاد المسيح عليه السلام بلغ التعداد 300
مليون تقريبا و كانت التاريخ يموج بالممالك الضخمة و حركات التجارة النشطة كدرب
الحرير الشهير الذي ساهم في الخلط المستمر للبشر و منع إنعزالهم عن بعضهم
بيولوجيا، ثم ظل يتراوح التعداد في حدود
نصف المليار نسمة حتى أوائل الثورة الصناعية و ما قبلها بالقرن السابع و الثامن
عشر ميلادية حيث كان الإستعمار بمآسيه و فوائده مقدمة لترابط أشد بين أرجاء
المعمورة ، ثم زاد التعداد بعدها بصورة كبيرة ليبلغ مداه الحالي خلال القرن
المنصرم في زمن العولمة و مجاز القرية الصغيرة التي كناها يوما ما في غياهب
التاريخ. (انظر الشكل 6)
الشكل 6 - درب الحرير لعب دورا هاما في الإختلاط الجيني
الإثنيات .. الجغرافيا و التاريخ
هناك وهم
سائد يرافق إسطورة النقاء العرقي يقول بأن لكل شعب أصل واحد ينحدر منه عبر التاريخ
بعلاقة نسب متصلة و كأنما كان هناك زوج
واحد (أب و أم) في البدايات البعيدة له. هذا الوهم يستبطن أن الشعوب الحالية ظلت
كما هي محتفظة بهوياتها منذ فجر التاريخ بحيث يكون الألمان مثلا ألمانا و العرب
عربا منذ بدء الخليقة أو من البداية الثانية المفترضة التي تحكيها التوراة عن
أبناء سيدنا نوح، بينما لم يتواجد الألمان كما نعرفهم اليوم قبل 10 ألف سنة مثلا .
في حقيقة
الأمر فإن لكل مجموعة بشرية تبدو متجانسة خطوط نسب سلالية مختلفة مع غلبة إحداها ،
كما أن تشكل السمات و الملامح المعاصرة لقوميات بعينها مثل العرب إنما هو مناظر
للتطور اللغوي لها. فمثلا لم تظهر اللغة العربية كفرع عن بقية اللغات السامية إلا
قبل خمسة ألف إلى ثلاثة ألف سنة قبل الميلاد تقريبا و معها كان هناك ظهور مماثل
لطفرات حددت تاريخ هجرة السلالات السامية و منها العربية مثل J-P58 ، أما الشعوب الحالية فهي
خليط من خطوط سلالية متنوعة فعلى سبيل المثال تقول نتائج دراسة جينية معاصرة عن
التركيب السلالي لعينات عشوائية من ثلاث دول خليجية أن السلالة الغالبة هي J1 (58% - 72%)مع مساهمات متفاوته من سلالات متعددة
أفريقية B & E و أوروبية R و آسيوية C & K . (انظر الشكل 7)
الشكل 7 - التحليل السلالي لسكان 3 دول خليجية
من ناحية
ثانية فإن حقيقة إنتشار البشر عبر مناطق جغرافية شاسعة قد خلق تدرجا طفيفا لتوزيع
التكرارات الخاصة بكل جين بشري، فلكل جين عدد من النسخ المختلفة (مثل الجين الذي
تحدد نسخه المختلفة ألوان العيون المختلفة). فإذا دمجنا معلومات التكرار الخاصة
بكل الجينات فإن هذا يميز العالم لمناطق
جغرافية مختلفة تكون لها بصمة نتجت من تاريخ مشترك بالماضي البعيد ، هناك حوالي
عشرون و نيف منطقة مثل : الرعاة الشرق أفريقيين و و الأراضي الساحلية الشمال
أفريقية و أناتوليا /القوقاز و المنطقة الأفروأسيوية الشرقية. هذه التقنية مفيدة جدا
كمكمل للتاريخ السلالي الذي يركز فقط على تتبع خط نسب واحد يميز سلسلة واحدة فقط
من الأسلاف متجاهلا بقية الأسلاف المنسيين من الأعمام و الأخوال و العمات و
الخالات على مر التاريخ، أي أن كل منا ستعود جيناته لبعض هذه المناطق الجغرافية
المميزة كدلالة على الوجود التاريخي لأسلاف ينحدر منهم بتلك المناطق قديما.
المفهوم
الراكز بالعلوم الإجتماعية لفهم التنوع
البشري حاليا هو الإثنية Ethnicity و هي على نقيض العرق Race ليست محدده بيولوجيا بل هي
عبارة عن تركيب إجتماعي social construct يضم عناصر مختلفة كاللغة و
الثقافة و الدين و التاريخ المشترك و السمات الشكلية ... إلخ مما يخلق شعورا بالإنتماء
و التماهي بين أفرادها من دون أن تعني أصلا مشتركا جينيا أو سلاليا.
مثال : السلالات
بالسودان
الشعب
السوداني يتكون من إثنيات مختلفة و لكل إثنية خطوط سلالية مختلفة، و حسب دراسة
حديثة عنه تكون نسبها كالآتي :
A 16.9% - B 7.9% - E 34.4% - F
3.1% - I 1.3% - J 22.5% - K
0.9% - R 13%
بحيث
تسود السلالات A, B & E في
الإثنيات المتكلمة باللغات النيلية/الصحراوية مثل الفور و البرقو و المساليت و
النوبة، و تسود السلالات F, K, I ,J & R في الإثنيات المتكلمة باللغات
الأفريقية/الآسيوية مثل العرب و البجه و الأقباط و الهوسا.
كل إثنية
تحوز نسبا مختلفة من كل هذه السلالات تقريبا، فالأقباط بالسودان مثلا يحوزون
الخطوط السلالية الآتية:
- B
بنسبة 15.2 % و أكبر تركيز له هو في قبيلة
الباكا بالكاميرون حيث يبلغ 63% بينهم
- E1b1b
بنسبة 21.2% و أكبر تركيز له هو بالقرن
الأفريقي و شمال أفريقيا
- J
بنسبة 45.5% و أعلى تركيز له هو بالجنوب الغربي
لشبة الجزيرة العربية و جنوب أوروبا
- R1b بنسبة 15.2% و أعلى تركيز له يقع بغرب أوروبا و مناطق من روسيا
أما
السلالات الأمومية بالسودان فحسب دراسة حديثة يعود الجزء الأكبر منها لسلالات أفريقيا
جنوب الصحراء 72.5% مع مساهمات آسيوأوروبية 22.5% و شرق أفريقية 4.9%.
ختاما ..
كاتب هذه
السطور ينتمي لإثنية المحس من سكان توتي و قد قمت بعمل فحص جيني سلالي و آخر خاصا
بالتركيب الإثني لتتبع مسار هجرات الأسلاف و توزيعهم الجغرافي، كانت النتيجة أن خط
السلالة الأبوية J-PF4638 و السلالة الأمومية R0a2c يتماشى مع أصل بعيد ظهر بشبه
الجزيرة العربية جنوبا، أما التركيب الإثني فكان 56% أفريقيا موزعا على شرق و وسط
أفريقيا مع قليل من جنوبها و غربها ، بينما البقية 44% فكانت شرق أوسطية موزعةعلى
الهلال الخصيب و مصر و شمال غرب أفريقيا و قليلا من هضبة الأناضول.
هذه
النتيجة تكشف مدى التعقيد البيولوجي و التاريخي و الجغرافي لما يكون هوية المرء و
تكشف تجذره في كل البشرية و في تاريخ هجراتها و ممالكها القديمة مما يوسع الآفاق
من وراء السجون الضيقة للسمات الشكلية و الثقافة المحلية و اللغة السائدة نحو إنفتاح
أرحب لعالم حديث بلا حدود نكون فيه بشرا فقط في الأساس ذوي وحدة بيولوجية عميقة.