الثلاثاء، 28 أبريل 2015

حول فتاوي تكفير النظريات العلمية - التطور مثالا

في الموقع المشهور إسلام ويب و تحت تصنيف الكفر الإعتقادي و العملي، بالفتوى رقم 4755
هذا مثال جيد للكتابات المعارضة للتطور في الدوائر العربية والإسلامية حيث ينقشع غبار التكفير عن جهل مدقع بالنظرية المراد نقدها و تحريف للكلم عن مواضعه لإنجاز ذلك النقد دينيا كما سنرى في التحليل التالي:
تبدأ الفتوى بالسؤال:
نظرية دارون التي تثبت بأن الإنسان تطور من القرد، أليست هذه النظرية تخالف الإسلام؟
و الملاحظ أن السؤال يستعيد سوء الفهم الشائع عن النظرية إذ أنها لا تقول بأن الإنسان تطور من قرد بل هي تقول بأنهما معا سلالة لسلف مشترك أقدم في الزمان، كما أن موضوعها ليس أصل الإنسان بل تفسير التنوع الأحيائي و من ضمنه الإنسان.
ثم يبدأ الجواب بنبذه عن دارون مقتبسه من الموسوعة العربية الميسرة التي ترتكب خطأ القول بأن دارون درس الطب دون الإشارة لأنه ترك دراسته بعد سنتين دون الحصول على درجة علمية لأنه لم يحتمل قساوة العلميات الجراحية من دون مخدر تلك الأيام !! و من جهة أخرى فالموقع يتعامل مع النظرية و كأنها فكرة فلسفية تخص دارون (بقولهم: نحب أن نعرف بصاحبها بإيجاز) بحيث يكون التعريف به من باب الإنصاف للخصم بينما التطور اليوم نظرية علمية فارقت تنظير دارون بكثير و لا تنسب له إلا من باب الإعتراف بالفضل التاريخي و ليس كرجوع لمصدر ثرائها الحالي.
ثم يبدأ عرضهم للنظرية ..
"أما نظرية دارون فقد قامت على عدة أمور منها
:
أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات، حادث بطريق النشوء والارتقاء، وأنه لمشابهته القرد، لا يمنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد
."
أولا هذه مجرد نتيجة للنظرية و ليست مما قامت عليه ! كما أن إستخدام مصطلح "النشوء و الإرتقاء" الخاص بفلسفة سبنسر المتعارضة مع نظرية التطور الداروينية و ليس مصطلح "التطور" العلمي يشي بما سيأتي من سوء فهم، و أخيرا فإن إنحدار الإنسان و القرود العليا من سلف مشترك لا ينتج من مجرد تشابهما كما توحي هذه الفقرة بل له أدلة جينية و حفرية و تشريحية و غيرها الكثير، فالإشارة للتشابه كأساس للجواز ليس إلا تشويها لما تقوله النظرية فعلا ليسهل نقدها.

"وقد شرح دارون عملية التطور، وكيف تمت، في عدة نقاط أهمها:
(الانتخاب الطبيعي) حيث تقوم عوامل الفناء بإهلاك الكائنات الضعيفة الهزيلة، والإبقاء على الكائنات القوية، وذلك يسمى بقانون (البقاء للأصلح) فيبقى الكائن القوي السليم الذي يورث صفاته القوية لذريته، وتتجمع الصفات القوية مع مرور الزمن مكونة صفة جديدة في الكائن، وذلك هو (النشوء) الذي يجعل الكائن يرتقي بتلك الصفات الناشئة إلى كائن أعلى، وهكذا يستمر التطور وذلك هو (الارتقاء(
."
مصطلح "البقاء للأصلح survival of the fittest" صاغه الفيلسوف هربرت سبنسر في فلسفته عن "النشوء و الإرتقاء" حيث يعني بها ما ورد في هذا المقطع تماما و هو يتناقض مع ما تقوله نظرية التطور بالإنتخاب الطبيعي ! فالصلاح في النظرية هو تكيف مع البيئة يؤدي للنجاح التكاثري reproductive success الذي يورث للأبناء و لا يتعلق بالقوة و الضعف ! فالكائنات التي نجحت و تغلبت على الديناصورات القوية كانت مجموعه صغيرة من الثديات الضعيفة التي كانت متكيفة مع العيش في الظلام و قلة الغذاء بعد كارثة النيزك التي غيرت البيئة و قضت على الديناصورات ! و من ناحية أخرى فالتطور لا يقود لكائنات "أرقى" فهو ليس مبدئا حول "التقدم Progress" و إنما وصف لعلاقات قد ينتج عنها الأرقى أو الأدنى بالمنظور الإنساني، فمثلا فقد الخلد بصر عينيه مع بقائهما لإنعدام حوجته إليهما في نمط معيشته الجديد تحت الأرض، و فقد الإسفنج كامل التعقد و الرقي الذي ميز أسلافه القدماء، و إستمرت الأنيميا المنجلية القاتلة بالإنسان فقط لحمايتها له من الملاريا الأشد فتكا و الأمثلة لا تحصى عن أن التطور لا "يهدف" إلى الأرقى بل فقط الأكثر تكيفا مع بيئته الضيقة و الحالية دون رسم مسارات متقدمة من الرقي كما تقول فلسفة سبنسر التي تخلط دائما و أبدا مع نظرية التطور.

"وقد رد كثير من العلماء هذه النظرية وفندوها: يقول الدكتور (سوريال) في كتابه "تصدع مذهب دارون": إن الحلقات المفقودة ناقصة بين طبقات الأحياء، وليست بالناقصة بين الإنسان وما دونه فحسب، فلا توجد حلقات بين الحيوانات الأولية ذات الخلية الواحدة، والحيوانات ذوات الخلايا المتعددة، ولا بين الحيوانات الرخوة ولا بين المفصلية، ولا بين الحيوانات اللافقرية ولا بين الأسماك والحيوانات البرمائية، ولا بين الأخيرة والزحافات والطيور، ولا بين الزواحف والحيوانات الآدمية، وقد ذكرتها على ترتيب ظهورها في العصور الجيولوجية. انتهى.
كما قام كثير من علماء الطبيعة برد النظرية ومنهم (دلاس) حيث قال ما خلاصته: (إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان، ولابد من القول بخلقه رأسا) ومنهم الأستاذ (فرخو) قال: إنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقاً بعيداً فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان سلالة قرد أو غيره من البهائم، ولا يحسن أن نتفوه بذلك) ومنهم (ميغرت) قال بعد أن نظر في حقائق كثيرة من الأحياء: إن مذهب (دارون) لا يمكن تأييده وإنه من آراء الصبيان. ومنهم (هكسلي) وهو صديق لـ (دارون) قال إنه بموجب مالنا من البينات لم يثبت قط أن نوعاً من النبات أو الحيوان نشأ بالانتخاب الطبيعي، أو الانتخاب الصناعي. انتهى.
وغيرهم كثير تركنا ذكرهم للاختصار. "
في هذه الفقرة يلجأ الموقع للمغالطة المنطقية المعروفة "الإستنجاد بالسلطة Appeal to authority" فكون أن عالما مثلا يقول بشيء دون إثبات له على شكل بحث منشور فهذا لا يعني أي شيء في الإحتجاج، فمثلا كان آينشتين بجلالة قدره معارضا شرسا لنظرية الكم حتى وفاته و لم يقدح ذلك فيها قيد أنمله لأنه عجز عن إثبات رأيه هذا علميا ! و لكن في هذه المقارنة مبالغة بلا ريب لأن ما أورده الموقع من أسماء تعتبر مجهولة و لم أجد لها ذكرا ليتم التحقق من قائليها و مكانتهم العلمية و إنتاجهم أصلا، و من ناحية أخرى فإن تغاضينا للحظه عن كون أن هذه الحجة مجرد مغالطة منطقية و إحتججنا بها عليهم ثم نظرنا لعدد العلماء الذين يدعمون التطور و مكانتهم العلمية فسنجد أن "كل" الكليات العلمية المحترمة الكبرى بالعالم تدرس التطور و أن الغالبية العظمى من العلماء المحترمين الفائزين بنوبل و بالذات الأحيائيين منهم يدعمون التطور بقوة، بل إن مشروعا طريفا قام به المركز الوطني لتدريس العلوم بأمريكا إسمه مشروع ستيف يوضح هذه المسألة، حيث دعا العلماء الذين يسمون بـ ستيف للتوقيع على "عبارة statement" توضح دعمهم للتطور (تم إختيار الإسم تكريما لـ ستيفن جولد العالم التطوري المعروف، مع العلم بأن هذا الإسم يتسمى به 1% فقط من الأمريكان)، فكانت النتيجة حتى الآن أن 1366 عالما قد وقعوا أسمائهم ! المشروع طريف لأن هذه ليست الطريقة العلمية لحسم قضية علمية بل البحوث المنشورة و التجارب المحكمة التي تعد بمئات الآلاف في صالح التطور و لكنه تم فقط لئلا ينخدع الناس بالمغالطة المنطقية، فإن كانت طريقة عشوائية كهذه تنتج هذا العدد الكبير من العلماء فما بالك بالإحصاء الحقيقي !!، هذا و غني عن القول بأن أغلب الإقتباسات التي تزخر بها كتابات المعارضين ماهي إلا إقتطاعات مدلسه لا تمثل الرأي الحقيقي لأصحابها أو لأشخاص ليسوا مؤهلين كعلماء أحياء أو إقتباسات قديمة جدا لعلماء فارقوا الحياة و تجاوزتهم العلوم، فليس هناك من عالم له وزن و حي اليوم له أي بحث يعارض فيه نظرية التطور جملة و تفصيلا رغم الخلاف المعروف حول الآليات و الوسائل دون الحقيقة العلمية.

"ثم إن كلام (دارون) نظرية، وليست حقيقة أو قانوناً، فهي تحتمل التصديق والتكذيب، ومع ذلك فلا يؤيدها الواقع المشاهد إذ لو كانت حقاً لشاهدنا كثيراً من الحيوانات والناس تأتي إلى الوجود عن طريق التطور لا عن طريق التناسل فقط.
كما أن القدرة على التكيف التي نشاهدها في المخلوقات ـ كالحرباء ـ مثلاً، (تتلون بحسب المكان) هي مقدرة كائنة في تكون المخلوقات تولد معها، وهي عند بعضها وافرة، وعند البعض الآخر تكاد تكون معدومة، وهي عند جميع المخلوقات محدودة لا تتجاوز حدودها. فالقدرة على التكيّف صفة كامنة، لا صفة متطورة تكوّنها البيئة كما يزعم أصحاب النظرية، وإلا لفرضت البيئة التكيف على الأحجار والأتربة وغيرهما من الجمادات
"
هنا نجد الخلط المعتاد بين الإستخدام العامي لمصطلح "نظرية" الذي يعني التخمين و بين معناه في السياق العلمي الذي يعني "تفسير شديد التدعيم لظواهر طبيعية إستنادا على مجموعة من الحقائق التي تم تأكيدها مرارا و تكرارا عبر المشاهدة و التجارب المستمرة"، فالنظرية في السياق العلمي تضم الحقائق و القوانين مثل نظرية الجاذبية التي تضم حقائق كتجاذب الأجسام و قوانينا مثل تناسب الجذب عكسا مع مربع المسافة و مثل نظرية الجراثيم و مثل نظرية الموائع التي تعتمد عليها الطائرات !! و أما جزئية الإحتجاج بظهور الناس و الكائنات تطوريا فيبدو أنها ناجمة عن تصورهم لتطور الكائنات الحالية من بعضها ! فتكون الأنواع الجديدة من بعضها عملية تستغرق ملايين السنين فكيف يلحظها الإنسان و عمره لا يتجاوز ربع ألفية (250 ألف سنة) فقط على سطح الأرض !
أما التكيف و علاقته بالبيئة فيكشف مرة أخرى الفقر المدقع في فهم أبجديات النظرية ! فالتكيف يتم عبر التنوع الوراثي و تنتخب الصفات التي تحسن من النجاح التكاثري فالبيئة هنا ليست فاعلا يؤثر على الكائنات ليسأل عن تأثيره في الحجر بل إن تفاعل الكائنات التي تتنوع صفاتها من جيل لآخر مع البيئة المتغيرة هو الذي يصوغ مسار التغير فيها.
فإن كانت حصيلة الإستعراض العلمي للنظرية و الإحتجاج عليها بهذا البؤس و الفقر فليس أقل من أن يكون الجزء الثاني من الفتوى المتعلق بالإحتجاج الديني عليها جيدا بإعتباره يدخل في تخصص الموقع و ليس من العلوم الصعبة الفهم عليهم، أقول يظن المرء هذا حتى ترى المعيدي الذي تسمع عنه خيرا كثيرا !

"أما موقف الإسلام من هذه النظرية فنوضحه في نقاط:
1_
قولهم إن الطبيعة هي التي تخلق عشوائياً وإن الإنسان ليس له خالق مصادم للقرآن الكريم لقوله تعالى: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) [الزمر: 62].
ولقوله: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) [القمر: 49] إلى غير ذلك من الآيات. "
النظرية لا تقول بهذا أبدا بل هذا من قول الملحدين الذين يستغلون جهل المتدينيين بالنظرية لتمرير أجندتهم و هذا شبيه بالقول بأن عشوائية نزول المطر (أي عدم القدرة على التنبؤ الكامل به) تعني أنه ليس له خالق ! النظريات العلمية تكون صامته حول النقاط الفلسفية مثل الخلق و الغايات فوظيفتها هو توضيح الكيفيات فقط لا غير.

"ادعاؤهم معرفة كيفية نشأة الأحياء على الأرض يرده قوله تعالى: (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) [الكهف: 51[ "
أولا النظرية لا تتحدث عن كيفية نشأة الأحياء بل عن تطورها أي أنها تعلق لها بنظريات نشأة الحياة، و ثانيا و هو الأهم فهذه الآية تتحدث عن إبليس و ذريته في معرض نفي أن يكون لهم شرك في الخلق و ليس كنفي لإمكان معرفة بدء الخلق، فالآية تقول في سياقها :" وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)" سورة الكهف، تحريف الكلم عن مواضعه هكذا يضرب القرآن ببعضه فيتناقض هذا الفهم مع الآية الواضحة :"  أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20(" سورة العنكبوت، التي تقول بوضوح أن للخلق بداية يمكن معرفتها !

"ولقد أخبرنا الله سبحانه أنه خلق الإنسان خلقاً مستقلاً مكتملاً، وقد أخبر ملائكته بشأن خلقه قبل أن يوجده فقال: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة: 30[ .وحدثنا عن المادة التي خلقه منها، فقد خلقه من ماء وتراب (طين) (فإنا خلقناكم من تراب) [الحج: 5[. وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تبارك وتعالى: خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزْنُ، والخبيث والطيب" أخرجه الترمذي وأبو داود والماء عنصر في خلق الإنسان (والله خلق كل دابة من ماء) [النور: 45[،وقد خلقه الله بيديه (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ) [ص: 75[، وهذا الطين تحول إلى صلصال كالفخار (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) [الرحمن: 14[ "
كل هذه الدلائل لا تدل على الخلق المستقل ، فجعل الخليفة يكون بالإختيار من مجموعة بشرية موجودة مسبقا كما تقول الآية :"  يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (26(" سورة ص، و الخلق من تراب أو أي عنصر آخر لا يعني التكوين منه مباشرة فكلنا خلقنا من تراب و خلقت منا أزواجنا أي من نوعنا البشري كما تقول الآية :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21(" سورة الروم، و الخلق باليد ليس خاصا بالإنسان :"  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)" سورة يس، و الخلق من طين و صلصال تم على مراحل :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12(" سورة المؤمنون، "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)" سورة السجدة، "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)" سورة الأنعام.  فليس في كل هذه الآيات ما يدل على الخلق المستقل بل إن تفسير القرآن بالقرآن يتماشى مع الخلق المتدرج أكثر من دلالته المفترضه على قصة الخلق التوراتية.

"والإنسان الأول هو آدم عليه السلام، ولم يكن خلق الإنسان ناقصاً ثم اكتمل كما يقول أصحاب نظرية التطور! بل كان كاملاً ثم أخذ يتناقص الخلق، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعاً"، ولذلك فالمؤمنون يدخلون الجنة مكتملين على صورة آدم ففي بقية الحديث السابق "فكل من يدخل الجنة على صورة آدم" ثم يقول صلى الله عليه وسلم: "فلم يزل ينقص الخلق حتى الآن". 
أولا نظرية التطور لا تقول بأن أسلاف الإنسان كانوا ناقصين بل كانوا في تمام التكيف مع بيئاتهم و لا تتحدث النظرية عن نقص و إكتمال أو بدائية و رقي فهي فقط تصف كيفيات الخلق و لا تحكم عليه. ثانيا فحديث الآحاد الوارد هنا هو بتمامه :" خلق الله عز وجل آدم على صورته ، طوله ستون ذراعاً ، فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، قال فذهب فقال السلام عليكم ، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله ، قال : فزادوه ورحمة الله . قال : فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، وطوله ستون ذراعاً ، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن" متفق عليه، و هو تعتوره مشاكل كثيرة في المتن نوقشت كثيرا بين علماء الحديث بين منكر و متأول و تتعلق بجزء :"خلق آدم على صورته" أما طول آدم و ذريته من بعده فمستحيل فيزيائيا إذ تتكسر العظام مع طول كهذا مع التركيب التشريحي للإنسان و هذا أمر مثبت بمعادلات الميكانيكا ، كما أن القياسات المتوفرة للقرون الماضية و للهياكل العظمية من عشرات آلاف السنين و معارف الفسيولوجيا و جينات الطول كلها تتفق على أن الإنسان إزداد طولا عبر تاريخه القريب مع توافر الغذاء و تنوعه ! فالمتن لا يمكن أن يصح رغم ثبوت السند و لعله من وهم الرواة في الرواية عن أبوهريرة أخباره عن كعب الأحبار كما نبه مسلم بن الحجاج في كتابه "التمييز" ص 128:" حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

"قولهم بأن البقاء للقوي والكوارث هي سبب هلاك المخلوقات الضعيفة مردود بأن الموت يكون للأقوياء والضعفاء قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك: 2["
بل تقول النظرية أن البقاء للأكثر تكيفا و تاريخيا كان هذا هو الأضعف كما هلكت الديناصورات لتعيش الثديات، و عموما فالإستدلال بالآية ضعيف جدا فلا يمنع كون أن الكوارث هي سبب هلاك البعض أن يكون ميتا في النهاية !

"أخيراً نذكر بالأصل العظيم الذي يبطل هذه النظرية وهو تكريم الله لبني آدم الذي لا يتناسب مع ردّ أصل الإنسان إلى قرد: قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) [الإسراء: 70]. وقال: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين: 4["
هذا هو السبب الأساسي لرفض النظرية رغم التستر خلف الدين ألا و هو الغرور الإنساني الذي يريد مكانة متميزة رغم أن أصله من تراب و هو أقل رفعه بما لا يقاس من إنحداره من أسلاف حية معقدة ! و كالعادة آية التكريم لا تتعلق بمسألة الخلق المتدرج فلا يوجد ما يمنع الإصطفاء و التكريم مهما تكن الإصول.   ثم أن آية أحسن تقويم لا تتعلق بكيفية خلق الإنسان بل بنتيجتها إن فسرناها كآية متعلقة بالخلقه بالذات أن ما بعدها مباشرة آية تقول :" ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ" مما لا يبيح إستخدامها كإستدلال لعملية الخلق المباشر.

هذا بإختصار مجمل عورات هذه الفتوى التي لا تستند على ساقين، فلا هي تفهم العلوم لتقيم حجة نقدها على ساق قوية و لا هي تستشهد من النصوص بمحكمات تقيم ساقها الثانية، فما لها إذن إلا أن تهوي داحضة بلا ريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق